السبت، 21 سبتمبر 2013

مصنف ضمن:

المسلم وقت الفتنة والشدة

                                                    

                                                 بسم الله الرحمن الرحيم


الشدائد والإبتلاءات سنة إلهية قدَّرها الله للأفراد والأمم ، فالفرد يبتلى والأمم تبتلى ، ولا تسير الحياة على وتيرة واحدة ، وهذا هو قول الله تبارك وتعالى : ” الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ” [ الملك : 2 ] ، فما خلقنا الله تبارك وتعالى إلا لهذا الأمر ” ليميز الله الخبيث من الطيب ” [الأنفال : جزء من الآية 37 ] ” وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ” [ آل عمران : 141 ] ” لقد خلقنا الإنسان في كبد ” [ البلد : 4 ]” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ” [ البقرة : جزء من الآية 251 ] ” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله ” [ الحج : جزء من الآية 40 ]، ولا يخفى على كل مسلم ما تمر به أمتنا الإسلامية في هذه الأيام من عملية ولادة جديدة لهذه الأمة ، ولا يخفى علينا جميعاً صعوبة هذه العملية ، فلكل أمة ميلاد ، ولكل ميلاد مخاض ، ولكل مخاض آلام .

وما تمر به مصر الآن هو عملية ابتلاء شديدة يتم بعدها النصر والتمكين بإذن الله ، فمصر تنتقل من مرحلة الركود والتخلف في كافة المجالات إلى مرحلة التمييز الذي يميز فيها الصف المصري والتي يتبعها مرحلة النهضة بإذن الله .


سلوك المسلم عند الفتن والشدائد

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه في ظل هذه الشدائد ، والفتن الكثيرة ، ما هو سلوك المسلم تجاهها ؟ ، وما هي أهم الأخلاق والسلوكيات التي يتصف بها المسلم وقت الفتنة والشدة ؟
نلخص في هذه المقالة بعض هذه السلوكيات ، والتي من أهمها :


الالتجاء إلى الله مفتاح الفرج

فهل يضار من ارتمى في حماه ؟ وهل يخسر من تقرب إلى مولاه ؟ لا يجد المسلم في هذه الوقت إلا الله تبارك وتعالى ، فهو القادر على تغيير الحال والخروج بنا إلى اليسر بعد العسر والفرج بعد الشدة ، فالقرآن الكريم يحكي لنا المواقف العظيمة والتي لم يكن لها مخرج إلا بالله تبارك وتعالى قال تعالى : ” هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ” [ يونس : 22 ] وقال تعالى : ” أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكرون ” [ النمل : 62 ] .

يقول صاحب الظلال : فالمضطر في لحظات الكربة والضيق لا يجد له ملجأ إلا الله يدعوه ليكشف عنه الضر والسوء ذلك حين تضيق الحلقة , وتشتد الخنقة , وتتخاذل القوى , وتتهاوى الأسناد ; وينظر الإنسان حواليه فيجد نفسه مجردا من وسائل النصرة وأسباب الخلاص . لا قوته , ولا قوة في الأرض تنجده . وكل ما كان يعده لساعة الشدة قد زاغ عنه أو تخلى ; وكل من كان يرجوه للكربة قد تنكر له أو تولى . . في هذه اللحظة تستيقظ الفطرة فتلجأ إلى القوة الوحيدة التي تملك الغوث والنجدة , ويتجه الإنسان إلى الله ولو كان قد نسيه من قبل في ساعات الرخاء . فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه . هو وحده دون سواه . يجيبه ويكشف عنه السوء , ويرده إلى الأمن والسلامة , وينجييه من الضيقة الآخذة بالخناق .

والناس يغفلون عن هذه الحقيقة في ساعات الرخاء , وفترات الغفلة . يغفلون عنها فيلتمسون القوة والنصرة والحماية في قوة من قوى الأرض الهزيلة . فأما حين تلجئهم الشدة ، ويضطرهم الكرب , فتزول عن فطرتهم غشاوة الغفلة , ويرجعون إلى ربهم منيبين مهما يكونوا من قبل غافلين أو مكابرين .


وتظهر صور الالتجاء إلى الله تبارك وتعالى في :


الدعاء :

فهو من الأسلحة العظيمة في مقاومة الفتن ، فقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم به فقد جاء في صحيح مسلم عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن “. وعلمنا – صلى الله عليه وسلم – أن نتعوذ في دبر كل صلاة من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.
وهاهو النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر يضرب أروع الأمثلة في استخدام هذا السلاح القوي ، فكان صلى الله عليه وسلم يكثر الابتهال والتضرع ، ويقول فيما يدعو به : ” اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض ” ، وجعل يهتف بربه عزوجل ويقول : ” اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم نصرك ” ويرفع يديه إلى السماء حتى سقط رداؤه عن منكبيه . وجعل أبو بكر يلتزمه من وراءه ويسوي عليه رداءه ويقول – مشفقاً عليه من كثرة الابتهال – : يا رسول الله ، كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك .

وها هو صلى الله عليه وسلم يوم الطائف ، وكان يوم ابتلاء عظيم وفتنة كبيرة ، فأخذ صلى الله عليه وسلم يناجي ربه ويخاطبه بقوله : ” اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس .. أنت أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي .. إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ، أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك هي أوسع لي .. !!

أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك ، أو ينزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك .. ”
فالدعاء والتضرع من أهم الأسلحة لمواجهة الفتن والابتلاءات ، فما علينا إلا أن نبتهل وندعوا الله .
ومن فضل الله علينا أن سنَّ لنا عبادة هي من أهم العبادات ألا وهي القنوت في النوازل في الصلوات ، فلا ينبغي لنا أن نتركه .


العبادة والطاعة والعمل الصالح :

أيضاً من الطرق التي يخرج بها من الفتن العبادة في وقت الفتن، فإذا كثرت الفتن يقبل الإنسان على العبادة، جاء في صحيح مسلم عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” العبادة في الهرج – وفي رواية في الفتنة كهجرة إلي “. يعني بذلك أن لها ميزة وفضلا وأجرا عظيما في أوقات الفتن.

يقول الحافظ ابن رجب – رحمه الله – معلقاً على هذا الحديث: ” وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيهاً بحال الجاهلية فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه، ويعبد ربه، ويتبع مراضيه، ويجتنب مساخطه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مؤمناً به، متبعاً لأوامره مجتنباً لنواهيه “أ.هـ.

ونبينا الكريم – صلى الله عليه وسلم – كان إذا حزبه أمر هرع وفزع إلى الصلاة .


حسن الظن يٌسرع النصر

ومن الأشياء التي تحدث أثناء الفتن والابتلاءات هي سوء الظن ، أن يظن كل طرف في الآخر أنه على خطأ ، بل يتسارع البعض في إلقاء التهم على البعض الآخر ، وذلك بوصفه بأقبح الألفاظ ، وشتمه بأقبح العبارات ، فهل يليق بالمسلم ذلك ؟

لا يليق به ذلك . على المسلم أن يحسن الظن بأخيه ، وهذا ما حثنا عليه ديننا الحنيف ، فقال الله تبارك وتعالى في كتابه : ” يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ” [ الحجرات : جزء من الآية 12 ] ، وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ” .
فديننا الحنيف حرَّم الظن السيء بالمسلمين ، حتى يصبح المجتمع قوياً متماسكاً ، قادراً على التعافي بسرعة ، وبالعكس لو انتشر هذا الخلق السيء في المجتمع لأصبح المجتمع المسلم كالغابة يأكل القوي الضعيف ، ويستعلي المنتصر على المهزوم ، فما أحوجنا إلى أن نحسن الظن بعضنا ببعض ! ولا نتسارع إلى إلقاء التهم بغيرنا من المسلمين حتى نتثبت ونتيقن ، فقد أوصانا المولى تبارك وتعالى بعدم الجري وراء الإشاعات والتي غالباً ما تؤدي إلى سوء الظن فقال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ” [ الحجرات : 6 ] .


الأمل والتفاؤل سبيلنا للتغيير

مهما ادلهمت الخطوب ، ووقفت الحياة عن المسير ، يبقى الأمل والتفاؤل هما خلق هذه الحياة فبهما يستنشق الإنسان عبير الحياة ، ويعيد الإنسان روحه التي كادت أن تخرج من جسده ، ونحن في هذه الأحداث والفتن ينبغي لنا أن نأمل في المستقبل ، لا نستمع إلى كلام اليائسين القانطين من رحمة الله ، فاليأس ضد الإيمان ” انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون "

0 التعليقات :

إرسال تعليق

ShareThis

Copyright @ 2013 اسلام 05 .